تُعد قضيةً حيوية تؤثر في مسار النمو الاقتصادي والاجتماعي لأي بلد. هي ظاهرة تجمع بين الفرص التي توفرها البلدان المستقبِلة والكفاءات التي تُغادر بلدانها الأصل، بحثًا عن بيئة أكثر تشجيعًا وإمكانات أفضل. قد تكون الهجرة دائمة أو مؤقتة، وقد يتحول بعض هؤلاء المهاجرين إلى ما يُسمى بـ «دورة العقول» أو «دوران العقول» حين يعود جزء منهم لاحقًا بمكتسبات جديدة ومعارف واسعة.

لهجرة العقول أنواع عدة منها:

1- هجرة أكاديمية وبحثية حيث تضم علماء، باحثين، مدرسين جامعيين ينتقلون إلى مؤسسات بحثية أو جامعات تقدم تمويلًا وإمكانيات أوسع.

2- هجرة مهنية تقنية وصناعية وتشمل مهندسين، أطباء، تقنيين، رواد أعمال ينتقلون لظروف عمل أفضل أو بيئات اقتصادية جاذبة.

3- هجرة مؤقتة ومستدامة وتتضمن الرحلات الدراسية، زمالات بحثية، عقود عمل محدودة الزمن، ثم تصمیم القرار بالبقاء أو العودة.

4- هجرة من الدول ذات الموارد المحدودة إلى الدول ذات الأسواق المُتقدمة أو النامية والمُتقدمة تقنيًا.

العوامل الدافعة لهجرة العقول تجمع بين عناصر(دفع) من البلد الأم وعناصر (جذب) من البلدان المُستقبِلة وهنالك أسباب دافعة وجاذبة لذلك.

أسباب الدفع:

1- محدودية فرص العمل أو الرواتب المُنخفضة مقارنة بتكاليف المعيشة.

2- ضعف الاستثمار في البحث والتطوير ونقص الدعم المؤسسي.

3- قلة الاستقرار السياسي أو الإداري، وغياب بيئة تشريعية مستقرة.

4- ضعف جودة التعليم العالي والموارد الأساسية (الرعاية الصحية، البنى التحتية).

أسباب الجذب:

1- فرص وظيفية ذات رواتب ومزايا أعلى.

2- بيئة بحث وتطوير مُتقدمة وفرص للنمو المهني.

3- استقرار سياسي وتوافر شبكات دعم للمُغتربين والطلاب الدوليين.

4- وجود منح دراسية وبرامج تمويل للباحثين وللشركات الناشئة.

لهجرة العقول تأثير سلبي على بلدٍ المنشأ منها، نقص في الكفاءات الأساسية حيث يُعرقل الابتكار والنمو الاقتصادي. بالإضافة إلى تراجع التنافسية العلمية والتقنية، وتأثيره على الخدمات العامة مثل الصحة والتعليم. ارتفاع تكلفة استقطاب الكفاءات من الخارج أو تعويضها ببدائل محلية. فقدان الاستثمارات في التعليم والتدريب، وتراجع الثقة في القدرات الوطنية.

وكذلك لها تأثير على بلد المستقبِل كتعزيز القدرات العلمية والاقتصادية من خلال إضافة كفاءات عالية.

التحديات في الاندماج والتكامل، وتفاوت في توزيع المواهب وتجاوبها مع احتياجات المُجتمع المحلي.

ضغط على سوق العمل المحلي في بعض المجالات إذا كانت العقول المُستقطبة تتركز في قطاعات محددة.

وهنالك بعض الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي لها تأثير واسع، كتعزيز التحويلات المالية إلى البلد الأصل وزيادة الشبكات الاجتماعية والبحوث الدولية. تغيرات ديموغرافية وتحديات في التوازن بين فئات المُجتمع (مثلًا في فئة الشباب). أثر على التنمية البشرية والتعليم والتنمية المُستدامة إذا لم تُدَرْ بشكل استراتيجي.

أما بالنسبة لنموذج دوران العقول فبعض الدول تطور برامج تبادل بين جامعاتها ومراكزها البحثية مع دول مُختلفة لتسهيل العودة وتبادل الخبرات، مع وجود شبكة دعم للمُغتربين. بالإضافة إلى تعزيز الروابط الصناعية عبر تشجيع الشركات الوطنية على إقامة مُختبرات بحث وتطوير محلية، وتوفير منح وأحواض ابتكار لجذب المواهب وتطويرها محليًا.

هجرة العقول ليست مجرد خروج أشخاص من بلد إلى آخر، بل هي ظاهرة معقدة تتفاعل فيها عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وتكنولوجية. إذا أُديرت بذكاء ورؤية وطنية، يمكن أن تتحول إلى نقلة معرفية تعود بالنفع على البلد الأصلي من خلال دوران العقول والتعاون الدولي، وتُخفف من آثارها السلبية عبر بناء بيئة بحثية وتعليمية قوية وجاذبة للكفاءات. المفتاح هو الاتزان بين تثمين المواهب المحلية وتوظيف فرص الهجرة كقناة للخبرة والتعلّم والتعاون.